حتى لو لم تكن مهتماً باختيارات النساء أو تحترمها عندما يتعلق الأمر بإنجاب الأطفال، فإن تعليقات «سيدات القطط بلا أطفال» (السيدات اللاتي يؤثرن تربية القطط وعدم إنجاب الأطفال) من قبل المرشح لمنصب نائب دونالد ترامب في الانتخابات «جيه دي فانس» لا تزال تمثل إشكالية للغاية لأنها تشير إلى سوء فهم لقضية سياسية حيوية: الخصوبة.
يهتم خبراء الاقتصاد بالخصوبة لأنه من الصعب تنمية الاقتصاد مع تقلص عدد السكان. فالاقتصاد هو تقريباً عدد العمال مضروباً في إنتاجيتهم. لذا، فإن قلة العمال تؤدي إلى صغر حجم الاقتصاد. والخصوبة، أو عدد المواليد نسبة إلى عدد النساء في سن الإنجاب، تعكس أيضاً الأمن الاقتصادي. هل تشعر الأسر بالأمان الكافي في وضعها الحالي والثقة الكافية في المستقبل لإنجاب الأطفال؟
كان معدل الخصوبة في الولايات المتحدة في انخفاض لمدة 15 عاماً وببعض المقاييس أقل مما هو مطلوب لنمو السكان. والوقت ينفد لوضع سياسة ذكية وفعّالة تعكس هذا الاتجاه من خلال تقليل التكلفة المالية المترتبة على إنجاب الأطفال وتربيتهم عن طريق تدابير مثل منح إجازة الأسرة المدفوعة الأجر، وتغطية التأمين الصحي للمساعدة في الإنجاب، وجعل رعاية الأطفال أكثر سهولة.
لم يكن لدى الولايات المتحدة سياسة خصوبة قط لأنها لم تكن بحاجة إلى وجودها. بعد طفرة المواليد، الفترة بين عامي 1946 و1964 عندما ارتفع معدل الخصوبة من حوالي 85 ولادة لكل 1000 امرأة إلى 123، انخفضت الخصوبة لمدة 10 سنوات تقريباً ثم استقرت عند مستواها الحديث عند حوالي 65 لكل 1000 امرأة، لمدة 30 عاماً تقريباً. ولكن في عامي 2008 و2009، بدأ المعدل في الانخفاض، ربما في البداية بسبب الركود العميق المرتبط بالأزمة المالية العالمية في ذلك الوقت. لكنه استمر في الانخفاض، حيث انخفض إلى حوالي 56 حتى مع تعافي الاقتصاد واستمر خلال ما يقرب من خمس سنوات من أدنى مستويات البطالة القياسية قبل وبعد الوباء مباشرة.
التفسير غير الضار، وإنْ كان يمثل إشكالية، للانحدار الحديث هو أن الأسر تحولت ببساطة إلى تفضيل إنجاب عدد أقل من الأطفال أو عدم الإنجاب على الإطلاق. ولكن هذا أمر مشكوك فيه. والأرجح أن الأسر تريد إنجاب المزيد من الأطفال ولكن الظروف تمنعها. وقد سأل استطلاع للرأي أجرته صحيفة نيويورك تايمز بالتعاون مع «مورنينج كونسلت» الآباء عن سبب عدم إنجابهم المزيد من الأطفال، ومن بين الإجابات الأكثر شيوعاً تكاليف رعاية الأطفال، والقدرة على تحمل التكاليف بشكل عام، وقلة الإجازات مدفوعة الأجر أو عدم وجودها على الإطلاق. وقدر معهد «بروكينجز» أن الأسرة ذات الدخل المتوسط التي لديها طفلان ستنفق أكثر من 300 ألف دولار لتربية طفل وُلِدَ في عام 2015 حتى بلوغه سن السابعة عشرة.
وما يهم معرفته هو أن معدل الخصوبة هو مقياس لمرحلة زمنية، يقيس الأطفال المولودين في عام واحد. والطريقة الأخرى لقياس الخصوبة هي تراكمية، تقيس عدد الأطفال الذين ولدوا في المجموع لنساء يقتربن من نهاية ما نعتقد أنه سن الإنجاب. ولم يظهر مقياس الخصوبة هذا أي تراجع بعد.
إن هذين الاتجاهين ليسا متناقضين، لأنهما يعكسان انتقالاً جيلياً إلى إنجاب الأطفال في سن متأخرة. وسيظل معدل الخصوبة التراكمي ثابتاً إذا تمكنت النساء اللاتي أخرن الإنجاب من «اللحاق بالركب». والنبأ السار هو أن الباحثين خلصوا إلى أنهن يرغبن في اللحاق بالركب في أغلب الأحوال.
في المتوسط، يظل عدد الأطفال الذين تقول النساء إنهن يرغبن في إنجابهم مستقراً نسبياً ويتجاوز معدل الاستبدال (طفلان لكل أسرة) [معدل الإحلال هو معدل الخصوبة الإجمالي الذي يستبدل به السكان أنفسهم بالضبط من جيل إلى جيل، دون هجرة. ويبلغ هذا المعدل عادة نحو 2.1 طفل لكل امرأة في معظم البلدان، ولكنه قد يختلف قليلاً حسب معدلات الوفيات وعوامل أخرى]. وهذا لا يعني أن التفضيلات موحدة، حيث تشير الدراسات الاستقصائية الأخيرة إلى أن حصة البالغين الذين لا يريدون أطفالاً وأولئك الذين يريدون أسراً كبيرة آخذة في الارتفاع، ولكن المتوسط مستقر.
ولكن هذه لحظة خطيرة بالنسبة للخصوبة في الولايات المتحدة وهناك دور للسياسات.
إن نقطة البداية الجيدة هي معالجة الظروف المادية المرتبطة بقرار إنجاب الأطفال. وتقدر مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أن واحدة من كل خمس نساء متزوجات لن تتمكن من الحمل بعد عام من المحاولة. ويعد الإنجاب المساعد، مثل التلقيح الصناعي (IVF) فعال ولكنه قد يكون مكلفاً للغاية، حيث تصل تكلفته إلى 30 ألف دولار لكل دورة. بالإضافة إلى ذلك، لا يتم تغطيته عادةً بالتأمين. يمكن للحكومة الفيدرالية أن تطلب من شركات التأمين الخاصة تغطيته، كما فعلت حفنة من الولايات.
والظروف الاقتصادية أكثر تعقيداً. إن إنجاب وتربية طفل أمر مكلف. ولكن هناك بالتأكيد بعض المكاسب السهلة المحتملة للسياسة، مثل إلغاء تكاليف المخاض والولادة، والتي قد تصل حتى في أفضل خطط أصحاب العمل الخاصة إلى آلاف الدولارات. بالتأكيد، إنها خطوة صغيرة ولكنها على الأقل ستزيل التناقض بين الرغبة في زيادة الخصوبة مع فرض رسوم على الولادة.
في هذا السياق، تحتاج أميركا إلى إجازة عائلية مدفوعة الأجر، يتم تمويلها من خلال ضرائب الرواتب التي يتم تقسيمها بين صاحب العمل والموظف وإضافتها إلى محفظة الضمان الاجتماعي. لا يتمتع حوالي 75% من العاملين في القطاع الخاص بهذه الإجازة، مما يعني أن الولادة تكون مصحوبة بانخفاض في الدخل وربما فقدان الوظيفة.
الخصوبة هدف سياسي صعب، ولا يُضمن أن تؤدي هذه الأفكار إلى النتائج المرجوة. ومع ذلك، فإن الواقع القاسي هو أن العديد من الأميركيين لن ينجبوا عدداً كبيراً من الأطفال كما يرغبون لأسباب يمكن للحكومة أن تساعد في معالجتها.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»